"أليست حياة المخاطر هي الحياة الحقيقية التي تستحق أن تعاش؟
أما الأمان بالمقابل، فهو الضجر، والبلاهة، والموت."
_ماريو بارغاس يوسّا
يوسا: قاص محترف؛ ينسج قصص حكاياته بدهاء شديد يربك القارىء، ويدفعه دفعاً للتساؤل ما هذا بحق الله مرات ومرات..
لقائي الأول به في رواية
"ليتوما في جبال الإنديز"
ترجمة: صالح علماني.
الفكرة الرئيسية من العمل هي البحث عن مجموعة من الأشخاص الذين اختفوا فجأة في ظروف غامضة في جبال الإنديز؛
نتتبع اختفائهم من خلال "ليتوما''
الذي يرافق القارىء من أول سطر وحتى النهاية وهو مثله مثلنا تماماً؛ لا يعرف كيف تدور الأحداث بل يتتبعها معنا، ويدفعه فضوله مثلنا حتى يكتشف الحقيقة والرابط بين القصة الرئيسية و مجموعة أخرى من القصص؛ وإن كانت كل قصة قائمة بذاتها إلا أنه يمكن لكل منها أن تكون رواية بحد ذاتها، يجمع بينهم يوسا بإبداع..
يتنقل بين قصصه بخفة وسلاسة منقطعة النظير، ويرسم شخصياته بجوانبها وتداخلات قصصها بطريقة تحير قارئها في البداية؛ ثم سرعان ما يدرك أنه أمام عمل ذكي معقد لا يحتاج مجرد القراءة العابرة وإنما التركيز والتحليل؛ لينغمس بفكره وكامل انتباهه في هذة القصص المتوازية؛ بحثاً عن طرف خيط يجمعهم كأحجية يستمتع لاعبها بتجميع القطع الناقصة؛ وتركيب كل جزء في مكانه المحدد شاعراً بالنصر مع كل اكتشاف صغير وكل تفصيلة يضعها في موضعها تماماً..
لكن إن كنت تعتقد أن هذة القصص مع تعقيد حبكتها وتداخل تفاصيلها أنها هي الغرض من الرواية فأنت مخطىء تماماً!
سمعت مرة أو ربما قرأت_ لا أتذكر حقيقة؛ لكن هذة المقولة حاضرة جدا بعد قراءة هذا العمل الأول لي مع يوسا:
"وهي أنه إذا أردت أن تكون رواياتك عالمية، اجعلها غارقة في المحلية."
وهذا ما فعله يوسا بعبقرية، رواية غارقة في المحلية بمزيج سحري من السياسية، والتاريخ والجغرافيا البيروية، مع الحب، و الموسيقى، والطعام مع هذة الطبيعة المتقلبة؛ شديدة الجمال والتهور، المنعكسة آثارها على قاطنيها بأساطيرهم الضاربة جذورها في مخيلتهم وحكاياتهم وكل سطر في روايته لتكون هي الغرض الرئيسي والخيط الذي يجمع بين قصصه المتداخلة..
ورغم أنني في البداية شعرت بالنفور منها لصعوبة الأسماء وقسوة اللغة واندفاعيته في الألفاظ وتهوره في كثير من الأحيان:D إلا أنني سريعاً ما تجاوزت هذة المرحلة، وسكنني بدلاً منها الفضول حتى النهاية، لدرجة أن الأحداث رافقتني في أحلامي وهذا تقريباً لم يحدث من وقت قراءتي للطنطورية قبل خمس سنوات.
وهذا ما جعلني أرفع تقيمها من ثلاث نجوم لأربعة فهي بلا شك تستحق..
وترجمة صالح علماني لا غبار عليها وجعلت القراءة سلسة وماتعة في آن
إلى لقاءات أخرى كثيرة يا سيد يوسّا الداهية xD
No comments:
Post a Comment