Wednesday, July 15, 2020

قلق ‏السعي ‏إلى ‏المكانة ‏

لقد تأخرت هذة المراجعة كثيراً أحياناً بسبب الكسل وأحيانا لسوء الأحوال النفسية،
لكن
حسناً؛
لنكن أكثر شجاعة ولنعترف لأنفسنا بهذة الحقيقة التي ننكرها في كل دقيقة؛
نحن لسنا الأكثر حظاً من أسلافنا، رغم كل هذا التقدم الهائل الذي أحرزه الإنسان المعاصر في القرون الأخيرة..
بل ولنكن أكثر صراحة أيضاً، ولنقف وقفة صدق مع أنفسنا، ولنقل أنه على العكس مما يبدو بل ربما بسبب ذلك أيضا؛ نحن الأكثر تعاسة من غيرنا، 

ففي ظل عصر متسارع يجتاحه القلق وتتصاعد وتيرته، وتتنوع أشكاله مقتحمة كل تفاصيل حياتنا يقع هذا الكائن البشري تحت وطأة كثير من الضغوط..
ولا تكون هذا الضغوط وحيدة بل تجتمع مع غرائز إنسانية، وسعي فطري للحصول على الحب والقبول والتقدير من المجتمع، لنجد أنفسنا واقعين في شرك قلق عصري من نوع خاص؛ 
ألا وهو قلق المكانة والسعي للشعور بالرضا عن الذات من خارجها..

ومن هذة النقطة المحورية يأخذنا الآن دي بوتون في كتابه:
قلق السعي إلى المكانة
 بحث فلسفي ممتع يتتبع هذا السعي نحو المكانة أصوله، وأسبابه، ومخاطره، وحلوله؛ 

لنعرف أن المكانة وهم توارثته الأجيال؛ بعدما كانت طموحاتهم أقل بساطة؛لتكون طموحات تعتمد على الجاه، والغطرسة، والمال، والتطلع، والاعتمادية..

فعندما نتتبع هذا الوهم وكيفية تبدله عبر العصور وتحكم عوامل _ سندرك حقيقتها لنجد أنها لا تستحق أن نعيرها أدنى اهتمام_ في سعينا الحثيث نحو مكانة زائفة فقط من أجل الحصول على الحب والتقدير..
مستعيدين بذلك ضبط تصورنا عن المكانة، وتوجيه سعينا وأهدافنا بفلسفة، وفن، وسياسة، ودين، وبوهيمية..
وهذة هي الحلول التي تناولها دي بوتون؛ والتي أثارت إعجابي بسعة معرفته وإطلاعه خصوصا في فصلي الفلسفة والفن..
إذ تعالجنا الفلسفة عندما ندرك حقيقة هؤلاء المعوّلين عليهم في مكانتنا ونظرتنا عن ذواتنا،  فهم في حقيقة الأمر لا يستحقون تلك القيمة الشديدة التي نعطيها لهم؛ تماماً كمن يعزف سيمفونية وينتظر التشجيع والإطراء من مستمعين هم بجملتهم إلاّ إثنين في الأصل_صم لا يسمعون؛
فهؤلاء الذين نمحنهم القيمة في تشكيل تصورنا عن أنفسنا؛ السواد الأعظم منهم من الذين لا يستحقون أن نملكهم زمام فكرتنا عن ذواتنا.

وهكذا يسير الكتاب متخذاً من الفن والفلسفة والبوهيمية والدين والسياسة، حلولاً ناجعة لهذا الوهم والقلق الذي بإمكانه أن يحيل حياة البعض لجحيم لا يطاق.
أمّا على المستوى الشخصي فقد كانت رحلتي مع الكتاب شيّقة، ومثمرة، ومشجعة على خوض المغامرة مرة أخرى مع كتابات دي بوتون_باستثناء بعض الملل في الفصول الأولى وكثرة الاستطرادات وغرابة الأفكار في الفصل الأخير_ لكنها على كل حال كانت رحلة ثقافية فلسفية ممتعة..

زادها إمتاعاً ترجمة: محمد عبد النبي شديدة الجمال والإتقان التي تستحق الإشادة.

2 comments:

  1. القلق بقي هو السمة السائدة في العصر الحالي

    ReplyDelete
    Replies
    1. بالفعل الكتاب قدّم تشريحاً فلسفياً لقلق المكانة الذي هو واحد من أشهر أنواع قلق العصر.

      Delete